الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "بعثت بين يدي الساعة بالسيف، حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، و جُعل رزقي تحت ظل رمحي، و جُعل الذلة و الصَّغار على من خالف أمري، و من تشبه بقوم فهو منهم"
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الذهبي - المصدر: سير أعلام النبلاء - الصفحة أو الرقم: 15/509
خلاصة الدرجة: إسناده صحيح
مباحث الحديث
تعرض الحديث إلى مسائل هامة و قضايا يدور عليها صراع البشر، و هي قضية جهاد البشرية حتى تعود إلى الغاية التي خُلق الإنسان من أجلها، و قضية أطيبُ رزق في هذه الدنيا، و قضية طاعة النبي و عقاب مخالفته، و قضية تمايز هذه الأمة في شخصيتها عن باقي الأمم
معاني المفردات
بالسيف: بجهاد الكافرين، و خص بالسيف لأنه آلة قتالهم، و تلحق به كل آلة قتال
تحت ظل رمحي: إشارة إلى أن ظله ممدود إلى أبد الآباد، و جرت العادة بجعل الراية في أطراف الرماح، فالمقصود بذكر الرمح هنا دون غيره هو الراية
شرح الحديث
1- بُعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له
الجهاد بالسيف، عن عبد الله بن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: و اعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف. البخاري و مسلم
قال ابن حجر: و نسبت الجنة إلى ظل السيف؛ لأن الشهادة تقع به غالباً، و لأن ظل السيف لا يظهر إلا بعد الضرب به لأنه قبل ذلك يكون مغموداً معلقاً.
2- و جُعل رزقي تحت ظل رمحي
نحن المسلمين نوقن بأن الرزق مقدر بيد مالك الملك سبحانه و تعالى، و أنه أمر بالمشي في طلب الرزق فقال: هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً في مناكبها و كلوا من رزقه و إليه النشور. الملك 15
و جُعل أطيب الرزق و أحله و أشرفه و أبركه ما كان من عمل اليد، و على رأسه ما يكتسب في أرض المعركة من الغنائم.
و بهذين الأمرين تسود الأمة و تحيا عزيزة كريمة، لهو العلو بالحق و السناء و الرفعة، فبالجهاد تقرع أبواب الجنة، و بالرماح تفتح خزائن الأرض، ولا تحتاج الأمة للاستجداء من أوساخ الأمم، و تدفع ثمن هذا الاستجداء من عقيدتها و عزتها و كرامتها، فتسلم أرضها و رجالها و عقيدتها و فكرها لعدوها، حتى تنسلخ من دينها و جلدتها، فلا تُعرف من بين الأمم، فتنطبق عليها الأوصاف التالية في الحديث:
3- و جعل الصغار على من خالف أمري
إن الناظر إلى أمة الإسلام اليوم يرى كيف أصابت قياداتها الذلة و الصغار بمخالفتهم شريعة الله و لتوكلهم على أمم الكفر و استعانتهم به و خضوعهم لهم، فبهم يستنصرون، و منهم العون يستمدون، و لعقيدة أمتهم محاربون، و لشعوبهم خاذلون، و لعقول أبنائهم مناوئون، فلم تُرفع لهم راية، و لم تُسمع لهم كلمة، فهم غثاء، رويبضات، يتكلمون بلسان أعداء الأمة، و يدفعون الجزية لهم، فيا لذلة هؤلاء الرويبضات الذين ضيعوا أنفسهم و أمتهم، و لكنه إلى حين، ليقضي الله أمراً كان مفعولاً.
4- و من تشبه بقوم فهو منهم
إن تشبه المسلم بأي شخص و في أي جانب من جوانب الحياة جميعاً يدل على محبته للمشتبه به، فإذا تشبه بالنبي صلى الله عليه و سلم، دل ذلك على وجود رابط روحي بينه و بين النبي صلى الله عليه و سلم، ألا و هو المحبة، فمن كان كذلك حشره الله مع النبي صلى الله عليه و سلم، و من تشبه بغير المؤمن، دل ذلك على وجود محبة و تعظيم له، فيحشر معه يوم القيامة.
و قد أمرنا الله سبحانه و تعالى بأن نتأسى بالرسل و الأولياء الصالحين، و حذرنا رسوله من التشبه بغير المؤمنين، و أخبرنا بأن مِن هذه الأمة من سيتبع سنن المغضوب عليهم و الضالين، فلتحرص أيها المسلم على التأسي برسول الله صلى الله عليه و سلم و صحبه الكرام في مجالات الحياة كلها، عقيدة و عبادة و معاملة و خلقاً.. في جميع سلوكيات الحياة: مظهراً و مخبراً لتنال الرفعة
هكذا أيها الأحبة علينا أن نتأمل حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم؛ لتنار طريقنا في الدنيا و الآخرة، لنكون من أحباب الله فيكرمنا الله بأن نكون حملة رسالة التوحيد، و رافعين رايةَ العزة، و مطهَّرين من الذلة و الصَّغار، و مقتدين بأشرف خلقه.